يبحث علم الأدوية pharmacology في التفاعلات المتبادلة بين كل مادة غريبة عن البدن وأجهزته الحيوية. وإذا كان البحث في هذه التفاعلات طبياً، دعيت المادة دواء.
وقد عرّفت منظمة الصحة العالمية الدواء بأنه «وسيلة هدفها، تأمين شفاء أو تحقيق حماية ووقاية أو تأكيد تشخيص أو إدخال تعديلات على وظيفة جهاز حيوي لدراسته، أو إصلاح حالة مرضية».
أقسام علم الأدوية
يتألف علم الأدوية من بحوث دوائية فرعية كثيرة هي:
مبحث المادة الطبية أو مفردات الطب: ويدرس الدواء فيزيائياً وكيمياوياً وحيوياً، ويحدد مصدره واسمه الفني وأشكاله الصيدلانية.
ومبحث تأثير الأدوية والقدرة الدوائية: ويتعمق في دراسة تأثيرات الدواء في مستويات التنظيم الحيوي كافة وبصفة خاصة في جزيئاتها الخلوية، ويكشف عن آليات حدوث هذه التأثيرات.
ومبحث الحركية الدوائية: ويبحث في العلاقات الكمية المتبادلة بين الدواء والعضو الهدف إزاء عامل الزمن، وذلك في جولة الدواء داخل الجسم الحي.
ومبحث علم الأدوية التجريبي أو المقارن: ويرمي إلى اختبار الدواء في الحيوان المناسب، للكشف عن تأثيراته الدوائية وتأثيراته الضارة، تمهيداً لبحث تأثيره في الإنسان.
ومبحث علم الأدوية السريري أو البشري: ويؤلف المرحلة الأخيرة من مراحل اختبار الدواء، وتتم الدراسة الدوائية عادة في الإنسان السليم المتطوع والمريض، لتثبيت نتائج الاختبار على الحيوان.
ومبحث التداخل أو التآثر الدوائي: ويوضح النتائج المفيدة والضارة الناتجة من أخذ المريض أكثر من دواء في وقت واحد.
ومبحث علم الأدوية التطبيقي أو المعالجة الدوائية أو المداواة: وهو فن يضع أسس التدبير العلاجي الدوائي ويرسم خططه المثلى، معتمداً على حقيقة التأثيرات الدوائية المفيدة والضارة، الخاصة بأدوية هذا التدبير. ويعتمد في ذلك، على سرّ حدوث هذه التأثيرات، وعلى واقع حركية هذه الأدوية ونتائج تداخلاتها.
فالطبيب، بفضل هذه المعلومات، يستطيع أن يختار لمريضه أفضل خطة علاجية تناسبه، فهو لا يعالج مرضاً بل يعالج مريضاً.
ولم يبق علم الأدوية الحديث مقتصراً على أقسامه المدرسية السابقة، بل أخذ يضم بين جناحيه بحوثاً دوائية جديدة مستقلة مرتبطة بالفيزيولوجية وبالكيمياء وبالفيزياء وبالنسج وبالإمراض (باتولوجية) وبالأحياء الدقيقة وبالنظائر المشعة.
إن البحث عن الدواء أسبق ما سعى الإنسان الأول إلى معرفته في سبيل المحافظة على صحته، معتمداً على ما في الطبيعة من مواد نباتية وحيوانية ومعدنية، علمته التجربة فوائدها. ثم أخذ عدد الأدوية البدائية يزداد مع مرور الزمن، ولا سيماـ في عهد ما قبل التاريخ - من قبل الصينيين والهنود والفرس وقدامى المصريين والإغريق والرومان. وقد تناقل هذه الأدوية بعدئذ كل جيل عن أسلافه. ويعد بابيروس Papyrus (1550 ق.م) من أوائل المخطوطات الدوائية. وبعد قرون من الركود، بدأت عطفات تاريخ الدوائيات تظهر في مطلع العهد الميلادي، إذ سطع نجم عدد من العلماء ولا سيما غالين Galien (130- 200م).
وقد حمل العرب في العصر الوسيط مشعل الدواء، أخذوا المعلومات الدوائية عن أسلافهم ولاسيما عن اليونانيين والإغريق، ونقدوها وأضافوا إليها، فعرفوا وجود القلوانيات واستعملوا العطريات في معالجة أمراض الصدر، والزئبق في الإفرنجي، والراوند والسنى في الإسهال وأمراض الكبد، والأفيون في الأرق والألم. وتعد بحوث الأدوية في مخطوطاتهم وأسفارهم الطبية ثروة ضخمة. وامتاز أسلوبهم بالوضوح في وصف الدواء، وذكر مصدره وماهيته، وفوائده في مختلف الأمراض، ومقداره وسميته ومضاد الانسمام به.
وقد بقيت هذه المؤلفات العربية الدوائية، مصدراً مدرسياً نفيساً، ومعقد آمال الأطباء ومحط رجائهم في سائر كليات الطب في العالم طوال خمسة قرون.
وقد ترجم معظمها إلى اللاتينية لغة الطب آنذاك، ثم إلى لغات متعددة. ولذا اهتم تاريخ الطب، بالأسماء النابهة من أطباء العرب الذين كان لهم الأثر المباشر في تقدم دراسة الطب إجمالاً والدواء خاصة وفي الافتنان في طرق المعالجة، أمثال : صابر بن سهل واضع أول دستور للأدوية باسم «قرابادن» اشتقاقاً من كلمة أقرباذين الفارسية، والرازي [ر] الذي خصص أجزاء عدة من سفره المشهور «الحاوي» وابن سينا [ر] الذي خصص كثيراً من مؤلفاته للبحث في الدوائيات وأشهرها «القانون»، وابن زهر [ر] الذي أخذ بالمنهج التجريبي عوضاً عن التقليدي في دراسة الدواء في كتابه «التيسير»، وابن البيطار [ر] وهو أعظم نباتي في عصره، وقد صنف الأدوية النباتية في كتابه «جامع المفردات»، وغيرهم كثيرون.
وفي عهد النهضة الأوربية 1500م بدأت تجربة الدواء على الحيوانات، وكان للفيزيولوجيين - ولاسيما ماجندي وكلود برنار - الفضل الأوفر في تطوير علم الأدوية ليصبح بعدئذ علماً مستقلاً، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان أوزوالد شميدبرغ Oswald Schmiedeberg (1838- 1921) أول أستاذ لعلم الأدوية الحديث، وعُدّ مؤسس هذا العلم.
وفي بداية القرن العشرين أدخل إرليخ البحث العلمي التجريبي للتحكم في الأخماج الجرثومية بوساطة الدواء، فكان اكتشاف الصادّات. ومع تطور الكيمياء في هذا القرن، بدأ العلماء رحلة بحث شاقة مع المادة الكيمياوية، للكشف عن أغوارها وصولاً إلى جوهرها وقياس وزنها الجزيئي، انتهت بعدئذ بتحضير أدوية إنشائية.
علم الأدوية والفيزيولوجية
يقف علم الأدوية اليوم جنباً إلى جنب مع باقي العلوم الطبية الأساسية والسريرية، فهو يعتمد اعتماداً أساسياً على المعلومات الفيزيولوجية والكيمياوية الحيوية، عند الحيوان والإنسان في حالتي الصحة والمرض، وذلك في جميع مراحل تجربة الدواء والبحث عن تأثيراته في أجهزة الجسم، وعن تأثيرها فيه لمعرفة الأسس الجذرية لاستعماله. وعلم الأدوية، إلى جانب استفادته من الفيزيولوجية، فإنه يساعد هذا العلم في أبحاثه، فلقد وضع بين أيدي اختصاصي الفيزيولوجية وسائل دوائية قيّمة، تسهل عليه الكشف عن خفايا الحياة وأسرارها، وشرح بعض الآليات الفيزيولوجية، وتحديد إمراضية بعض الأمراض.
علم الأدوية السريري
المراد من علم الأدوية السريري، دراسة الدواء عند الإنسان السليم و المريض. والغاية من هذه الدراسة مزدوجة، فهي ترمي أولاً إلى تقويم كل دواء جديد للتأكد من نتائج تجربته على الحيوان، وكل دواء متداول لإعادة اختباره، ولمراقبة تأثيراته المفيدة والضارة.
ويعود السبب الداعي إلى هذه الدراسة، إلى أن المعلومات المتوافرة من دراسة الدواء على الحيوان، لا تنطبق كلياً على الإنسان، بسبب الاختلافات الفيزيولوجية بينه وبين معظم الحيوانات، ولتعذر إحداث الاعتلالات البشرية نفسها في الحيوانات أحياناً. أما الهدف الثاني من دراسة الدواء سريرياً فهو وضع أسس ومبادئ دوائية سريرية مطمئنة للطبيب متعلقة بفعالية الدواء لدى الإنسان، ودرجة تحمله، ونسبة أذياته العاجلة والآجلة وأنواعها المختلفة وإنذارها، ونتائج مشاركته أدوية أخرى.
فالطبيب، من معرفته لهذه المعلومات اليقينية، يستطيع أن يختار لمريضه الدواء الأمثل، وأن يركن إلى نتائج المعالجة معتمداً على أسس علمية سليمة مطمئنة.
التداخل أو التآثر الدوائي
إن أخذ عدة أدوية في آن واحد أو بتتابع مباشر، قد يغيّر شدة فعالية الدواء ومدتها أو هاتين الثابتتين معاً، ومن ثَمَّ يعطل الهدف العلاجي، وعلل هذا التغير في التأثير بحدوث تفاعلات حيوية بين أدوية المشاركة في جزيئات خلايا الأعضاء ولا سيما الأعضاء والأجهزة المرتبطة بمراحل الحركية الدوائية، مسببة نقصاً أو زيادة في توصيل الدواء إلى مكان تأثيره، أو المرتبطة بآليات التأثير الدوائي محدثة تغيراً في استجابة العضو الهدف لفعل الدواء. فالبحث في هذه التفاعلات المتبادلة، وفي آلية حدوثها، وفي تظاهراتها السريرية ومنافعها وأضرارها، يؤلف مبحث التداخل أو التآثر الدوائي. وتبدو حوادث هذا التداخل الدوائي بشكل تآزر أو تقوية أو تضاد:
فالتآزر يتطلب بصورة عامة أن تكون جميع أدوية المشاركة ذات تأثير واحد متماثل ومشترك بينها جميعاً. ويعد الفعل الناتج مساوياً لمحصلة إضافة جبرية للتأثير المتماثل، سواء أكان هذا التأثير نافعاً في الأصل كأخذ دوائين معاً من مقلدات الودي، فهما يتفاعلان سوية بمجموعهما الجبري مع المستقبلات الموسكارينية أي المستقبلات التي تتأثر بفعل مادة الموسكارين، أم كان ضاراً كتناول دوائين سامين للأذن، كأخذ حمض الاتكرين وهو دواء مدر مع الجانتاميسين وهو دواء صادّ، فمن الممكن أن يسبب تآزرهما نقصاً شديداً في السمع أو صمماً. وقد يحدث التآزر أيضاً على الرغم من وجود اختلاف في آلية حدوث التأثير المتماثل كتآزر الأسبرين مع مضادات الفيتامين k في منع التخثر، فالأسبرين يؤثر بمنعه تجمع الصفيحات الدموية، في حين تؤثر مضادات الفيتامين k بتثبيط إنشاء عوامل التخثر المرتبطة بالفيتامين k.
والتقوية تتظاهر باشتداد تأثير تابع في الأصل لأحد أدوية المشاركة من دون غيره، فمثلاً قد يزيد الكلوفبرات، وهو دواء خافض لكولسترول الدم، قدرة مضادات الفيتامين k في منع التخثر إذا أخذ مع أحدها، مؤهباً لحدوث نزف على الرغم من أنه لا يبدي هذه القدرة لدى استعماله منفرداً.
أما تضاد التأثير فتتجلى أفعاله بحدوث نقص في تأثير أقوى أدوية المشاركة فعالية، سواء أكانت متعاكسة التأثير كأخذ دواء حال للودي مع دواء مقلد له، فبتنافسهما على المستقبلات الأدرنرجية «التي تتحسس بفعل الأدرنالين» يضعف التأثير، أم كانت متماثلة بالتأثير كتناول البنسلين مع التتراسيكلين وهو أمر غير مرغوب فيه، فكل منهما صاد، غير أن التتراسيكلين بإبطائه انقسام الخلية الجرثومية يجعل البنسلين عاجزاً عن تثبيط إنشاء غشائها وهي في طور الانقسام.
ومجمل القول، أن حوادث التداخل الدوائي كثيرة ومعقدة، يرتبط حدوثها بمختلف مراحل الحركية الدوائية أو بآليات التأثير الدوائي، بعضها ثابت بالتجربة، وبعضها محتمل الحدوث، ويتعذر أحياناً على الطبيب اليقظ المنتبه استيعابها، لذا عليه الاعتماد في أثناء ممارسته على الجداول اليقينية الخاصة بالتداخل الدوائي.
الحركية الدوائية
ينفرد تحت اسم الحركية الدوائية البحث في العلاقات الكمية المتبادلة بين الدواء والعضو الهدف تجاه عامل الزمن في مراحل جولته داخل الجسم. وليس هذا البحث دراسة نظرية مثيرة للاهتمام فحسب، بل هو السبيل إلى أنظمة إعطاء الدواء الأكثر جذرية والتي تختلف بحسب السيطرة الوراثية والمناعية.
وتتطلب استجابة الأعضاء والأجهزة لفعالية الدواء إيصاله إلى خلاياها بتركيزات مناسبة باستثناء الدواء الموضعي التأثير. فالدواء، بعد اجتيازه الحواجز الحيوية بحادث الامتصاص، ينتقل إلى حيز المصورة الدموية فيرتبط قسم منه ببروتينها، ويتوزع القسم الحر المتبقي سريعاً خارج الأوعية، ثم تقوم بعض الأعضاء والأجهزة التي انتشر الدواء فيها ولاسيما الكبد، بتحويل كامل جزيئات الدواء أو بعضها، في مرحلة الاستقلاب، إلى مركبات جديدة هي المستقلبات. وبعدئذ، يضخ الدواء ومستقلباته إلى باطن خلايا الأعضاء الهدف ليجول في بحر من الهيولى لا نهاية له. وتتعاضد ضمن هذه الخلايا - وفي مدة كافية من الزمن - سلسلة من الأحداث الداخلية المتوازنة التي تقوم عليها سنة الحياة، لحل رموز (شيفرة) هذه المواد الغريبة، مستفيدة من بعض خصائصها. وفي نهاية رحلة الدواء هذه، يقذف الدواء خارج الجسم بدافع التنقية الذاتية، عن طريق أعضاء الإفراغ بحادث الإطراح.
وتجدر الإشارة إلى أن البحث في جولة الدواء هذه داخل الجسم الحي يؤلف مبحثاً دوائياً
مهماً، تَحَرَّرَ حديثاً من مبدأ الاكتفاء بالملاحظات إلى تحقيق ذاتية مستقلة، وذلك بفضل ما طرأ على علوم الرياضيات من تطور وتبسيط ساعدا الباحث الدوائي الفيزيولوجي على استخدام وسائل حديثة في مجال الاختبار الحيوي، وفي طليعة هذه الوسائل النظائر المشعة والدواء الموسوم. ولهذا فإن الحركية الدوائية تتميز حالياً بأن البحث فيها يعتمد على الرياضيات الحديثة لمعرفة مصير الدواء منذ أخذه حتى إطراحه. من أجل هذا، لا بد، في فرقة العمل من اشتراك عالم بالرياضيات ومحلل كيميائي إلى جانب الاخصاصي الدوائي والاختصاصي السريري، حين تقويم الحركية الدوائية عند الإنسان. وإن الدراسة المبسطة في الممارسة الطبية لحركية الدواء تكتفي عادة بتحديد تركيزاته في المصورة الدموية وفي البول، وبتطبيق هذه المعلومات على معادلات رياضية مخصصة لهذا الهدف، يستطيع الطبيب تعيين مستويات الدواء في النسج المختلفة (حجم التوزيع) نسبة لما ينطرح منه يومياً، وتقدير الطرق الملائمة لأخذ الدواء ولا سيما معرفة تركيزه في مكان تأثيره عند المستقبلات، وأخيراً تحديد الجرعة الملائمة لحالة المريض.
التأثير الدوائي
يراد بالتأثير الدوائي استجابة بعض الأعضاء والأجهزة لما أحدثه الدواء من تبدل في فيزيولوجيتها إثر وصوله إلى خلاياها الهدف بتركيز مناسب وفي مدة زمنية محددة.
فالبحث في التأثير الدوائي يتطلب إذن أن تتاح للباحث معلومات كافية عن خصائص الدواء الكيمياوية الفيزيائية، وعن فيزيولوجية أعضاء الجسم وأجهزته كافة، وعن تبدلاتها الفيزيولوجية الإمراضية، لدى حيوانات التجربة والإنسان على السواء.
أما آلية التأثير الدوائي فتعود إلى القدرة الكامنة في كل من الدواء والخلايا الهدف.
فالدواء، لا يحدث تأثيراً إلا إذا تفاعل مع خلايا الأعضاء الموكول إليها تأمين مختلف مراحل حركيته. وكل تبدل يطرأ على النظام السوي لإحدى هذه المراحل يسبب تغييراً في نوعية تأثيره وشدته ومدته. أما الخلايا الهدف، فتختلف درجة تفاعلها مع الدواء بحسب صفتها إما ذات فيزيولوجية متماثلة فيقال بوجود تأثير نوعي، وإما ذات فيزيولوجية مختلفة فالتأثير غير نوعي. وأصبح من المتفق عليه، وجود اختيار اصطفائي خاص بكل دواء وبكل نوع خلوي، وعزي هذا الانتقاء المتبادل إلى وجود جزئيات متميزة في هذه الخلايا، مؤلفة من البروتينات أو الأنظيمات أو الحموض النووية أو الشوارد، هي المستقبلات. فالتأثير الدوائي إذن، هو نتاج تفاعل الدواء ومستقلباته مع هذه المستقبلات.
التأثيرات الجانبية (الضارة)
يعد الدواء سلاحاً ذا حدين، فهو باعث صحة ومرض، يحمل السعادة للمريض بتأمينه الشفاء، وقد يحدث اضطرابات غير مرغوب فيها، عاجلة أو آجلة، بسيطة أو خطيرة، عابرة أو دائمة، تتناول الأعضاء والأجهزة، تدعى التأثيرات الجانبية. وقد عرَّفت منظمة الصحة العالمية هذه التأثيرات أنها «... تفاعلات ضارة، تحدث عرضاً بالمقادير القانونية المخصصة للاستعمال عند الإنسان بهدف الوقاية أو التشخيص أو المعالجة». وهناك نمطان رئيسان لحدوث التأثيرات الجانبية، أولهما يرتبط بآلية الدواء، سواء أكان هذا التأثير أولياً كحدوث تقرحات هضمية بفعل أدوية الأورام التي يتناول فعلها المضاد للانقسام الخلوي الخلايا السليمة والمريضة من دون تمييز بينها، أم كان تأثيراً ثانوياً - لم يؤخذ الدواء للتأثير فيه - كظهور ارتفاع في توتر باطن العين لدى مصاب بالزرق عولج بدواء مضاد للكولين تدبيراً لفرط التعرق. وثانيهما، يرتبط بعوامل تابعة للشخص مباشرة: داخلية (العمر والجنس والوراثة والمناعة)، أو خارجية (الغذاء والمناخ والتداخل الدوائي )، أو مرضية (قصور كلوي أو كبدي أو قلبي أو اضطراب نفسي سابق لأخذ الدواء).
ومن المستحسن القول إنه لا وجود لدواء بريء، فإلى جانب التأثيرات الجانبية، قد يسبب الدواء أذيات مختلفة، تعود إلى خطأ في إعطائه (مضاد الاستعمال)، أو لأخذه بجرعة كبيرة (تسمم حاد)، أو لعدم احترام المريض قواعد استعماله كالاستمرار في تناول بعض الأدوية، التي تميل إلى التراكم أو إلى إحداث حالة من الاعتياد أو الإدمان. وتعد الأدوية، جملةً، مواد غريبة، قد تحدث استجابات مناعية، وأحياناً حوادث أرجية أو تحسسية، كما يحدث بعضها سرطاناً، وقد يؤذي بعضها الكروموزومات والجنين (التأثير الماسخ).
ولا بد أخيراً من الإشارة إلى أنه، للحد من أضرار الدواء بأنواعها المختلفة أُحْدث مؤخراً مبحث دوائي جديد باسم «علم الأدوية اليقظ»، غايته تعريف أضرار الدواء (مرض الدواء) ليتلافى صانعه وواضعه ومسلمه ومستعمله، كل منهم ضمن مجال اختصاصه، الأسباب المؤهبة لظهور تلك الأضرار. كما أنه يرمي إلى رسم خطة لمعالجة كل ظاهرة ضارة دوائية المنشأ، وتم تأسيس مستوصفات ومستشفيات خاصة لإسعاف حوادث الطوارئ الدوائية.
الأشكال الصيدلانية
يراد من الأشكال الصيدلانية مستحضرات تحتوي العنصر الدوائي الفعال، تهيئها معامل الأدوية أو الصيدلاني، ليصبح الدواء قابلاً للاستعمال بطريق الإدخال المناسب، وليكون أخذه متلائماً مع نفسية المريض ومع حالته المرضية.
وتكون الأشكال الصيدلانية صلبة أو لينة أو سائلة. فالأشكال الصلبة، تجهز للاستعمال، إما بطريق الفم بلعاً أو قضماً (مضغوطات ومحافظ وملبسات وكريات ولآلئ، ومحببات ومساحيق ضمن رزم وبرشان) أو مصاً (لسينات)، وإما دفناً تحت الجلد (مضغوطات صغيرة معقمة وحبابات تحتوي دواء مشعاً)، وإما زرقاً خلالياً بعد حلها بالمذيب المناسب، وإما بطريق المهبل (بيوض ومضغوطات مهبلية)، وإما بطريق الشرج (لبوسات أي تحاميل)، وإما تطبيقاً موضعياً على الجلد (مساحيق رذ أو قماش لاصق مشرب بالدواء للتأثير الموضعي أو العام). والأشكال اللينة (مرهم وهلام)، تهيأ للتأثير الموضعي (تطبيقاً على الجلد والمخاطيات)، أو للتأثير العام كاستعمال مرهم النتروغليسرين في معالجة خناق الصدر، أو هلام مركبات الألومين في معالجة قرحة المعدة. وأخيراً تجهز الأشكال السائلة للاستعمال شرباً (شراب وجروع وإكسير ومستحلب وقطرات)، أو تقطيراً في الأنف والأذن والعين (قطور)، أو طلاء على المخاطيات ولا سيما البلعوم (طلاء) أو إرذاذاً (حلالات هوائية)، أو زرقاً خلالياً وتشريباً ناحياً ومفصلياً وتسريباً وعائياً «وريدياً أو شريانياً» (سائل معقم ضمن زجاجات مختلفة السعة، وأكياس من اللدائن).
التجارب الدوائية ومراحلها وطرقها
الغاية من التجارب الدوائية دراسة كل دواء، سواء أكان جديداً لم يسمح باستعماله في المعالجة بعد، أم كان متداولاً لمراقبته دورياً ولمقارنته بأدوية تماثله في التأثير.
يمر الدواء في هذه التجارب بطريق طويل، منذ تعرفه مخبرياً عنصراً فعالاً دوائياً حتى السماح بصرفه من الصيدليات واستعماله في المعالجة. فهو يخضع في أثناء ذلك لسلسلة من البحوث التي تتم عادة على أربع مراحل، هي: مرحلة صيدلانية كيمياوية فيزيائية، ومرحلة تجريبية في الحيوانات، ومرحلة سريرية في الإنسان، ومرحلة إحصائية.
ففي المرحلة الصيدلانية الكيمياوية الفيزيائية، يحرر العنصر الفعال من مصدره العضوي (النباتي أو الحيواني أو الجرثومي.....) أو المعدني نقياً، أو يحضر الدواء إنشائياً.
وبعدئذ يخضع هذا الدواء لدراسة كيمياوية فيزيائية لتبيان هيكله ونقاوته وثباته وقابلية انحلاله ووزنه الجزيئي.
وفي المرحلة التجريبية في الحيوان يدرس الدواء، في الزجاج، على عضو معزول عن الحيوان وفي الخلايا المعزولة عنه والمزروعة، وفي الحي حيث يبقى الحيوان محافظاً على وعيه أو بعد تخديره. ويشترط في التجارب على الحيوان أن تتلاءم فيزيولوجيته مع نوعية التأثيرات الدوائية المرتقبة. والغاية من تجربة الدواء على الحيوانات البحث عن خصائصه الدوائية وسميته، لترابط هذين المجالين معاً، إذ إن نتائج دراسة أحدهما قد تدعو إلى تعديل منهج دراسة المجال الآخر أو تبديله كلياً. فدراسة الخصائص الدوائية تكون للوصول إلى أفضل سبيل في إعطاء الدواء منفرداً أو مشتركاً مع غيره، وذلك اعتماداً على المعلومات المستقاة من التجارب المخصصة لمعرفة امتصاصه وتوزعه وتحوله الحيوي (استقلابه) وإطراحه وتداخلاته الدوائية. وتتطلب هذه الدراسة، اتباع طرق معايرات كيمياوية حيوية في منتهى الدقة،واستخدام المركبات الموسومة أحياناً. وتشمل دراسة خصائص الدواء: البحث في تأثيراته، المفيدة والضارة، والكشف عن آليات حدوثها إن أمكن ذلك. أما الدراسة السمية، العاجلة الحادة والآجلة المزمنة، فتجرى على نوعين من الحيوانات أو أكثر (قاضمة وغير قاضمة).
وأصبح البحث عن التأثير المشوه للجنين وعن التأثير المسرطن والمطفر أمراً مدرسياً. وتعد نتائج التجارب على الحيوانات، حجر الزاوية ونقطة الانطلاق لمتابعة دراسة الدواء لأنها تمهد للبحث فيه عند الإنسان.
وفي مرحلة اختبار الدواء على الإنسان، يجرب الدواء على الإنسان السليم المتطوع، وعلى المريض، وفي حالات خاصة ونادرة جداً على عضو معزول عنه. والدواء المراد درسه في الإنسان، يجب أن يكون سهل التحمل، ذا تأثير دوائي (ثابت بالتجربة الحيوانية) مبرر للبحث فيه. وإن تجربة الدواء على الحيوان لا تعطي في الحقيقة انعكاساً صادقاً لصلاحيته، إلا إذا كان الاختبار مبنياً على دراسة سريرية بشرية يقينية.
وتعتمد الطرق المتبعة في هذه المرحلة، إما على طريقة التعمية البسيطة باستخدام الدواء الغفل تارة والدواء الحقيقي تارة أخرى، ولكليهما شكل صيدلاني واحد، وذلك من دون معرفة المجرب عليه. وإما بطريقة التعمية المزدوجة التي يبقى فيها المجرب عليه والطبيب بعيدين عن معرفة المادة الصيدلانية المستعملة في الاختبار.
وتتطلب طرق الاختبار عند الإنسان تصرفات أدبية من قبل الباحث وأعوانه، لأن دراسة الدواء وسميته عند الإنسان تماثل ما يتم إجراؤه عند الحيوان الحي. أما في المرحلة الإحصائية، فتجمع المعلومات الناتجة من الدراسة في كل من المراحل الثلاث السابقة والمستفادة من قبل جميع المراكز التي اشتركت بدراسة الدواء، وغالباً ما تكون تابعة لدول متعددة. ثم تجرى دراسة إحصائية كاملة لهذه المعلومات، وبذلك يكون ملف الدواء مجال البحث جاهزاً لدراسته من قبل لجان رسمية مخصصة لهذا الهدف، وهذه اللجان، إما أن ترفض الدواء بعد اختباره من قبلها، وإما أن تسمح بتصنيعه ليصبح قابلاً لصرفه من الصيدليات. وتختلف مدة السماح هذه وفقاً للأنظمة المتبعة في بلد التصنيع، وهي غالباً من 3 إلى 5 سنوات، على أن تعاد دراسة الدواء دورياً بعد مضي هذه المدة الزمنية.
التنظيمات الخاصة والدولية
بعد أن كثرت الأدوية الكيمياوية الإنشائية وظهرت لبعضها تأثيرات سمية خطرة، سنّت معظم الحكومات المصنّعة للدواء قوانين خاصة بها، بغية تنظيم صناعة الدواء واختباره ومراقبته.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية (مؤسسة الغذاء والدواء F.D.A) والنمسا والسويد وسويسرا (اللجنة الدوائية التابعة لكل منها)، تفرض التنظيمات المتبعة حالياً من قبل كل منها على مصنع الدواء تقديم دراسة وافية وكاملة عن البحوث التجريبية المجراة على الدواء في مراحل البحث الدوائي الأربع (الصيدلانية الكيمياوية الفيزيائية والتجربة عند الحيوان والاختبار على الإنسان والإحصائية)، وعندئذ تقوم هذه المؤسسات الدوائية الخاصة بالدولة بإعادة الدراسة لديها. ولا يقتصر هذا الأمر على الدواء الجديد، وإنما تعاد هذه الدراسة على كل دواء متداول مرة كل خمس سنوات. أما في إنكلترا (لجنة سلامة الدواء، لجنة دونلوب)، وفي فرنسا (لجنة الترخيص بتسويق الدواء)، فالتنظيمات الخاصة بكل منهما أكثر اعتدالاً؛ إذ لا يوجد شرط يفرض إعادة دراسة الدواء المتداول، ويقتصر في الدواء الجديد على دراسة تجريبية حيوانية مع مراقبته عند الإنسان. وهنالك تنظيمات حكومية (البرتغال مثلاً) أكثر تساهلاً مع الدواء لأنها تكتفي بتقديم مصنِّع الدواء تقريراً موجزاً عن نتائج تجربته الحيوانية واختباره البشري، وربط بعض المنشورات الإعلامية بهذا التقرير.
من أجل هذه الاختلافات، أصدرت منظمة الصحة العالمية في عام 1975 نشرة باسم «دليل تقويم الأدوية الطبية»، جاء فيها وصف مفصل للمراحل الواجب اتباعها، منذ تجهيز الدواء كيمياوياً حتى اختباره على الإنسان. كما أن مجموعة الدول الأوربية نسقت التنظيمات الدوائية الخاصة بدولها، فوضعت عام 1975 توصيات في «دليل توجيهي للمراقبة الدوائية»، اشترطت فيه صراحة، ضرورة إجراء مراقبة اختبارية من دون أن تكون علاجية، عند الإنسان السليم، بهدف تقويم نتائج الدراسة التجريبية على الحيوان. وشملت توجيهات هذا الدليل ضرورة إجراء تدقيق تحليلي انتقادي لملخص الإحصاء الحيوي.
وتنشر معظم الحكومات في بلادها، في أزمنة معينة، دليلاً قانونياً يدعى قانون أو دستور الأدوية، يتضمن وصفاً لخصائص الدواء الفيزيائية والكيمياوية والدوائية، مع ذكر طرق تحضير الدواء فنياً، وتحديد مقداره العلاجي بحديه الأعظمي والأصغري، وبيان تداخله حين أخذه مع غيره، وعوارض تأثيراته السيئة.
The owner and operator of the site is not responsible for the availability of, or any content provided.
Topics that are written in the site reflect the opinion of the author.
جميع ما يُطرح من مواضيع ومشاركات تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي مالك الموقع أو الإدارة بأي حال من الأحوال.
سوريا - دمشق
التاسع
-
البكالوريا