كم نحن قريبون من كشف سر المادة المعتمة

[3LOM 4 ALL]

تشكل المادة المعتمة ربع الكون الذي نعيش فيه، ومع ذلك فإننا لانعرف عنها شيء. يُحاول الفيزيائي جيم الخليلي من خلال سلسلة من حلقتين أن يشرح لنا كم نحن قريبون من استكشاف هذه المادة المثيرة. برغم كل ما حققناه من تقدم في الفيزياء الحديثة في القرن الماضي، فليس من الصحيح الذهاب بعيداً والإدعاء بأننا نقترب من فهم كامل للكون من حولنا. فعلى سبيل المثال، شاع آبان اكتشاف بوزون هيكز في العام الماضي، أن جميع اللبنات الأساسية للبنية الفيزيائية أصبحت معروفة الآن. لذا فقد يكون من الصادم أن يعرف بعض الناس إن 95% من كوننا لا يزال مجهول حقاً بالنسبة إلينا. الحقيقة هي أن كل ما نراه حولنا، كوكبنا وكل شيء أخر من الكواكب المحيطة إلى النجوم والمجرات والسحب البين نجمية والغبار الكوني، كلها بأقصى التقديرات لاتشكل أكثر من 5% من مادة الكون. كما إننا لانعرف على وجه الدقة إن كان كوننا يستمر بالتمدد إلى الأبد، وما الذي تسبب بالإنفجار الكبير؟، وحتى فيما إذا كان كوننا عبارة عن كون واحد من بين أكوان متعددة لانهائية العدد.

نستطيع تشبيه دوران النجوم والمجرات بدوران حبيبات القهوة غير الذائبة على سطح فنجان القهوة عندما تنتهي من تحريكه بالملعقة. كما في حبيبات القهوة فإن النجوم الأقرب لمركز المجرات يجب أن تدور بسرعة أكبر من تلك التي تدور بعيدة عن المركز. لكن مشاهداتنا تخبرنا إن النجوم البعيدة عن المركز تدور بسرعات عالية تجعلنا نفترض وجود قوة جاذبية تمنع قذفها بها بعيداً في أعماق الفضاء. هذه القوة من المفترض أن تسببها مادة أثقل بكثير من أي مادة عرفناها. ومما يصعب مهمتنا في اكتشاف كنه المادة المعتمة هو تفاعلها الضعيف جداً مع الكهرومغناطيسية وبالتالي مع المادة العادية حيث إن سهولة اختراقها للأرض هو بالضبط كما يخترق شعاع الشمس الزجاج الشفاف.

هنالك ثلاث طرق مختلفة لمعرفة مما تتكون المادة المعتمة. الطريقة الأولى، من خلال رصد تصادماتها في الفضاء وما ينتج عنها من جسيمات لمادة عادية. والطريقة الثانية، بمحاولة الإمساك بجسيمات المادة المعتمة التي تمر من خلال الأرض. أما الطريقة الثالثة، فمن خلال تخليق جسيمات المادة المعتمة في مصادمات الجسيمات، مثل مصادم الهايدرونات الكبير في المنظمة الأوربية للأبحاث النووية (CERN). والطريقة الثانية هي الأكثر حظوظاً بالإستخادم.

يعتقد معظم علماء الفيزياء أن المادة المعتمة تتكون بالأساس من جسيمات ثقيلة ضعيفة التفاعل ويطلق عليها اختصاراً ويمبات (WIMPs)، وإن الكثير منها تخترقنا بكل ثانية لكنها لا تترك أثراً لإنها تكاد لاتتفاعل نهائياً مع المادة العادية التي تتكون منها أجسامنا. وكانت هناك الكثير من الإدعائات لمجموعات مختلفة من شتى أنحاء العالم تدعي إنها رصدت أثار لهذه الجسيمات الغامضة. كما أعلنت مجموعة واحدة إنها كشفت عن إشارة للمادة المعتمة. العديد من هذه التجارب تجري في مختبر ساسو غران الوطني في وسط ايطاليا (Gran Sasso National Laboratory) وهو اكبر مختبر تحت الأرض في العالم، ويقع تحت ما يقرب من كيلومتر ونصف من الصخور، ولا يمكن الوصول إليه إلا من خلال نفق يمر من خلال جبال الأبنين. السبب بهذا العمق للمختبر هو إن كوكبنا يتعرض للعديد من الجسيمات والأشعة الكونية القادمة من الفضاء وباستخدام هذا الدرع الصخري الذي يبلغ سمكه 1400 متر تقريباً فإن العديد من هذه الجسيمات يتم صدها عن الوصول للتجارب التي تجري في المختبر. كما أن العديد من التجارب تجري كذلك في مختبر آخر تحت الأرض (نفق زينون الكبير LUX) الذي يقع في عمق منجم ذهب في ولاية ساوث داكوتا. في الأشهر الثلاثة الأولى لعمله، في وقت مبكر من هذا العام، لم تكشف التجارب عن المادة المعتمة إنما تم استبعاد بعض الإشارات المحتملة. إن الكشف عن مسببات هذه الإشارات لا يقل أهمية عن الكشف عن المادة المعتمة. ومن المقرر أن تبدأ التجارب بشكل جدي خلال العام القادم. خلال العام 2014، وخلال 300 يوم عمل مخطط له، يؤمل أن يتم الكشف خلالها عن المادة المعتمة، أما لو لم يكن بالامكان الكشف عنها فإن علماء الفيزياء يأملون بإن هذه التجارب ستكشف عن جسيمات الويمب، هذا إن كانت موجودة فعلاً. أما في ما لو استمر فشل الفيزيائيين بالتوصل لماهية المادة المعتمة وفشلنا بالامساك بالويمبات فإن هذا سيدعونا للعودة إلى سبوراتنا ومحاولة إيجاد نظرية بديلة باستخدام ما تزودنا به تلسكوباتنا من بيانات.

ماذا بعد كشفنا للغز المادة المعتمة؟ بكل تأكيد ليس هذا نهاية المطاف فلا يزال أمامنا ثلثي الكون مكون من طاقة معتمة وهي ما تشكل موضوع أكثر غموض من المادة المعتمة. ونحن لا زلنا ببداية الطريق بكيفية البحث عن هذه الطاقة الغامضة.